الفاتيكان ـ ندد البابا فرنسيس بحقيقة أن “العالم اليوم تمزقه الصراعات، أعمال الإرهاب الشنيعة ومناخ الشك الذي يغذي الكراهية”.
وكما جرت العادة في مطلع كل سنة استقبل البابا فرنسيس هذا الخميس في الفاتيكان أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني بحلول العام الجديد، ووجه لضيوفه خطاباً مسهباً قام من خلاله بجولة أفق على مختلف القضايا الراهنة.
وفي النص الي نشره لموقع (فاتيكان نيوز) الإلكتروني، فقد قال البابا: للأسف، إنّنا نبدأ هذه السّنة والعالم تمزِّقه الصّراعات العديدة، الصّغيرة والكبيرة، بعضها معروف وبعضها معرفته أقلّ، وكذلك نجد استئناف الأعمال الإرهابيّة الشّنيعة، مثل تلك التي وقعت مؤخّرًا في ماغدبورغ بألمانيا وفي نيو أورليانز بالولايات المتّحدة. ونرى أيضًا أنّه في البلدان العديدة هناك المزيد من النّزاعات الاجتماعيّة والسّياسيّة التي تتفاقم بسبب الصّراعات المتزايدة. إنّنا نعيش في مجتمعات يزداد فيها الاستقطاب، يزداد فيها شعور عام بالخوف وانعدام الثّقة تجاه الآخرين وتجاه المستقبل. ويتفاقم الشّرّ مع استمرار خلق ونشر الأخبار الكاذبة، التي لا تؤدّي فقط إلى تشويه حقيقة الوقائع، بل تؤدّي في نهاية المطاف إلى تشويه الضّمائر، وإيجاد تصورات خاطئة عن الواقع، وتولِّدُ مناخًا من الشّكّ الذي يثير الكراهية ويهدِّد سلامة النّاس، والسِّلمَ المدني واستقرار دول بأكملها. ومن الأمثلة المأساويّة على ذلك، الهجمات التي تعرّض لها رئيس حكومة الجمهوريّة السّلوفاكيّة والرّئيس المنتخب للولايات المتّحدة الأمريكيّة.
ويدفعنا مناخ انعدام الأمن هذا إلى إقامة حواجز جديدة ورسم حدود جديدة، في حين أنّ حواجز أخرى، مثل تلك التي قسّمت جزيرة قبرص منذ أكثر من خمسين عامًا، وتلك التي قسّمت شبه الجزيرة الكوريّة إلى قسمَين منذ أكثر من سبعين عامًا، لا تزال قائمة ثابتة، تفصل بين العائلات وتقسّم البيوت والمدن. تزعم الحدود الحديثة أنّها خطوط ترسيم بحسب الهوية، حيث التّنوُّع هو سبب للاتهام وعدم الثّقة والخوف: “ما يأتي من هناك لا يمكن الاعتماد عليه، لأنّه غير معروف، وليس مألوفًا، وليس من القرية. […] ونتيجة لذلك، تنشأ حواجز جديدة للدّفاع عن النّفس، فلا يبقى العالم موجودًا، بل يوجد عالمي “الخاصّ بي” فقط، لدرجة أنّ الكثيرين لم يعودوا يُعتبَرون بَشَرًا لهم كرامتهم التي لا يجوز الاعتداء عليها، وصار يشار إليهم بكل بساطة بكلمة “هؤلاء”. ومن المفارقة أنّ مصطلح الحدود لا يشير إلى مكان يفصل، بل إلى مكان يوحِّد، “حيث نجد حدًّا معًا” (cum-finis)، حيث يمكننا أن نلتقي بالآخر، وأن نعرفه، وأن نبدأ حوارًا معه. أمنيتي لهذا العام الجديد هو أن يكون اليوبيل للجميع، مسيحيين وغير مسيحيين، فرصة لإعادة التّفكير في العلاقات التي تربطنا، ككائنات بشريّة ومجتمعات سياسيّة، للتغلّب على منطق الصّدام وتَبَنِّي منطق اللقاء، ولكي لا يجدنا الزّمن الذي ينتظرنا تائهين يائسين، بل حجاجَ رجاء، أي أشخاصًا وجماعات تسير ملتزمة لبناء مستقبل سلام. ومن ناحيّة أخرى، وفي مواجهة التّهديد الحقيقي المتزايد بنشوب حرب عالميّة، فإنّ مهمّة الدّبلوماسيّة هي تشجيع الحوار مع الجميع، بما في ذلك المحاورين الذين يُعتبَرُون “مزعجين” أو الذين لا نعتبرهم طرفًا شرعيًّا للتفاوض. هذه هي الطّريقة الوحيدة لكسر قيود الكراهية والانتقام التي تقيِّدنا، ونزع فتيل أجهزة الأنانيّة والكبرياء والغطرسة الإنسانيّة، التي هي أصل كلّ إرادة حرب مدمِّرة
[wkh][/wkh]